كيف نحيا بالقران
الحمدلله الذي هدانا للإيمان ، وأكرمنا ومنا علينابالسنة والقرآن ، الحمدلله الذي جعلنا من خير أمة أخرجت لبني الإنسان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربنا وخالقنا الرحيم الرحمن ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وصفيه الداعي إلى كل خير ورضوان ، وعلى آله وأصحابه أولي النهى والعرفان ، ومن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم العرض على الديان أما بعد :
أيها المؤمنون :يامن رضيتم بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه و سلم نبيا ورسولاً،يقول المولى جل وعلا:{وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم34]،إن أعظم نعمةٍ بعد الهداية للإيمان، هو السر العظيم ، والكنز الغالي الثمين ، هو سرُّ سعادةِ بني الإنسان ، هوسر نهضة مجتمعات أهلِ الإيمان ، هو سرُّ رفعتنا وحلِّ كل مشكلاتنا ، إن هذه النعمة هي الهداية للقرآن ...
نعم ياعباد الهدايةُ للقرآن،ونعني بالهدايةِ للقرآن ليس مجرد التلاوة ،فهذه نقطة البداية وليست هي النهاية، ولن يطعم حقيقة الهداية للقرآن إلا من تأثر به وعاش الحياة الحقيقية متدبراً متأثراً مغيراً لنفسه ولحاله ،هذه هي الهداية الحقيقية وهي التي يكثر السؤال عنها ، مالسبب في أنا لانتأثر بالقرآن ، لا نشعر بطعم حلاوة الإيمان أثناء قراءة القرآن، ويسأل آخر : أين نور القرآن ، أين حلاوته ، أين إعجازه وتأثيره ، كيف تُحل به مشكلاتنا ، وتزال به همومنا وغمومنا ، وللإجابة عن هذا السؤال نقول: لا بد من فهم القرآن وأعني بالفهم ليس معرفة المعنى فقط ،ولكن أن نفهمه بقلوبنا فيكون علماً وإيماناً يملاء صدورنا ، هذا هو الذي نريد ، وحتى نصل للإجابة الشافية لا بد من تأمل هدي النبي صلى الله عليه و سلم وهدي أصحابه رضي الله عنهم فهم خير من فهم القرآن علماً وعملاً ،معرفة وإيماناً ،فسادوا الدنيا كلَّها وأصبح هو الجيل الذي خلد التاريخ مآثره العظيمة إلى يومنا ،فأصبحوا جيل القرآن حقاً ومن تأمل حياتهم ومنهجهم يخرج بالأسباب والأمر التي تعين على فهم القرآن والاهتداء به وهي :
أولاً: لابد أن تكون على يقين تام ومعرفة تامة وقناعة لا يدخلها الشك بأنه لاحياة إلا بالقرآن، فأنت بدون القرآن ميت وبدون القرآن ضال أعمى فالحياة والبصر والهداية لاتكون إلا بالقرآن ،فالقرآن هو الروح، لأنه به تكون الحياة الحقيقية ، وحين تَفْقِدُ الروح تعيش ميتاً في صورة حي بين الناس {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[الشورى52]تكون على يقين بأن القرآن هو النور وبدونه فأنت أعمى لا بصر لك فكيف ترى الدنيا على حقيقتها وكيف يكون الميزان عندك للأمور صحيحاً وأنت لا تبصرفالبصر الحقيقي بصر القلب {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً} [النساء174] القرآن هو الهدى وبدونه فأنت ضال ، {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}[البقرة2]، {هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }[آل عمران138] ،وقال سبحانه :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }[يونس57]،.هذا هو الأمر الأول فكن منه على بينة فإذا كنت منه على بينه فأعطه غالب اهتمامك وليس فضلة وقتك ، أيها المبارك: إذا كانت هذه منزلة القرآن في قلبك فصدق هذا القول والاعتقاد بالفعال ثبتنا الله وإياك على درب الهدى والإيمان .
الأمر الثاني :لابد أن تعلم أن القرآن نزل على القلب وأنه أو ل ما يخاطب القلب :{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ(193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ(194)} ويقول جل شأنه : {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}[العنكبوت49] ، ويوضح هذا قول ربنا جل في علاه أن المحل المقصود بالقرآن هو القلب :{أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها }، وهذا هدي النبي صلى الله عليه و سلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم ،فلم يكن مقصودهم كثرة القرآن وتردادُه بل هو الخشوع والتدبر والتأثر به ، فهذا نبينا الكريم صلى الله عليه و سلم ثبت عنه في الحديث الصحيح أنه قام ليلة كاملة بآية واحدة يرددها حتى الصباح :{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة118]،والله سبحانه يبين أن حلول بركة القرآن على الإنسان تكون بالتدبر والتأمل فيه {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}[ص29]،ولهذا جاء الذم والتوبيخ لمن قرأ القرآن بغير تدبر ، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لقد أنزلت علي الليلة آية ، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ}[آل عمران190]،إلى آخر الآيات في سورة آل عمران ، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه عن القرآن : "قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكون هم أحدكم آخر السورة " ، وهذا الأمر يحتاج منك إلى مجاهدة وصبر {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}.
الأمر الثالث :-كيف نقرا القرآن :إن هذه القضية لأهميتها ومكانتها و- من أعظم أسباب الهداية للقرآن- فلم تترك للاجتهاد بل جاء النص صريحاً بها ، وهي أن يقرأ القرآن قراءة متأنية مترسلة وبدون عجلة يقول ربنا جل وعلا في محكم التنزيل :{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }[الإسراء106 ]، ولما جاء الأمر بقرآءة القرآن جاء الأمر بأن يقرأ بالترتيل وهو الترسل والتأني وليس بالعجلة :{ كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }[الفرقان32] ،{ورتل القرآن ترتيلاً}، والله أمر نبيه بأن يقرأ القرآن بهذه الكيفية وقد امتثل أمر ربه يقول سبحانه :{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }فكانت قراءة النبي صلى الله عليه و سلم مداً وكانت مترسلة وكانت قراءته مفسرة حرفا حرفاً كما وصفتها أم سلمة رضي الله عنها .بهذه الطريقة أخي المبارك يستفاد من القرآن وتطعم حلاوته ونوره وهدايته وفقنا الله واياك لاتباع هدي المصطفى وامتثال أمره .
الأمر الرابع : بأي القرآن نبدأ؟:لقد كان النبي الكريم صلى الله عليه و سلم قدوةَ المعلمين وإمامَ المربين يعلم أصحابه الإيمان أولا قبل تعليم الأحكام ، فهذا جندب بن عبدالله يقول : "كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم ونحن فتيان حزاورة ، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن فازددنا به إيماناً "أ.هـ ، والمقصود هو العناية بالآيات التي نزلت أولاً والتي تُذكِّر بعظمة الله وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وتذكر بالموت واليوم الآخر فإن القلوب إذا امتلأت إيماناً وحباً وتعظيماً وخوفاً من باريها سلهت عليها الأحكام الشرعية وسارعت في تطبيقها والعمل بها ، وتبين لنا عائشة هذا المنهج كما جاء في البخاري أنها قالت : "إنما نزل أولَ ما نزل سورةٌ من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس للإسلام نزل الحلال والحرام .."أ.هـ، فالأولى أن نعتني بآخر خمسة أجزاء في المصحف الشريف من سورة ق إلى الناس فهذا هوالمفصل ، ونولي هذه الآيات والسور عناية كبيرة قراءة وتدبراً وفهماً وتكراراً فاللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر انفسنا ياأرحم الراحمين .
الأمر الخامس : أن نستعين على فهم القرآن بقراءة ما يبين ما استغلق علينا من معانيه، ولن يكتمل التأثر بالقرآن حتى نفهم ما نقرأ فعليك بالاستعانة ببعض كتب التفسير الميسرة كتفسير الشيخ السعدي أو زبدة التفسير للشيخ الاشقر أو المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير للمباركفوري ، ولكن أختم كلامي وأقول أيها المسلمون تأملوا وتدبروا معي آيةً في كتاب الله يكون فيها مسك الختام حتى نعلم كيف نحيا بالقرآن يقول المولى جل شأنه : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }[ق37]،لن يتذكر إلا من كان له قلب واعي واستماع وحضور وشهود وليس غفلةً وتغافلاً، من أراد أن يتعظ بالقرآن فلابد أن يهيء الجو لذلك فيكف يخشع من يكون في مجلس صخب وكلام ، كيف يخشع من قلبه معلق بالدنيا وهو يفكرفيها ولا يجاهد نفسه ليحضرها مع القرآن، إن الشهود ليس شهود البدن ولكن شهود القلب والعقل .
يقول العلامة السعدي عند تفسير هذه الآية: " أي: قلبٌ عظيمٌ حيٌ ، ذكيٌ زكيٌ ، فهذا إذا ورد عليه شيء من آيات الله تذكر بها وانتفع بها فارتفع ، وكذلك من ألقى سمعه إلى آيات الله واستمعها استماعاً يسترشد به وقلبه شهيد أي حاضر ، فهذا أيضاً له ذكرى وموعظةً وشفاءً وهدى ، وأما المعرض الذي لم يصغ سمعه إلى الآيات فهذا لا تفيده شيئاً لأنه لا قبول عنده ولا تقتضى حكمة الله هدايةَ من هذا نعته "أ.هـ .
منقول عن كاتبه الاصلى
الكاتب : الشيخ ناصر الحنيني